«أبيض × أسود» قصة قصيرة للكاتبة آيار عبد الكريم

آيار عبد الكريم
آيار عبد الكريم


تحاصرُها الأحلام كأمواجٍ مُتلاطمَة في بحر ثائرٍ. ولكنها لا تذهب جُفاءً مثل زَبَد البحر؛ فتارةً تستيقظ وهي تشعر براحة نفسيّةٍ لتأويلها الحلم بخيرٍ من تلقاء ذاتها، وتارةً تشعر بغُصّة في حلقها وهمّ يُجثم على صدرها. يجعل أزيزه يعلو حتى الصراخ والنّحيب وتستشعر من تأويل هذا الحلم حدوث مكروه لها.

أحياناً تشاهد ذاتها؛ وكأنها تُهرول بشدةٍ للحاق بقطار مُسرع، أو كأنها تحمل صخوراً ضخمة على عاتقها ثم أنهكها التعب. تشعرُ وكأنها تحتضر وفي اللحظة الأخيرة من احتضارها، تعود إليها الحياة من جديد.

عقلها لا يتوقف عن ربط تلك الرؤى والأحلام بواقعها. دائماً

ما تتداخل وتتشابك الافتراضات داخله، حتى تخلق تفسيراً مُحكَما يريحها من عناء الخوف الذي يطاردها كشبح غامض.

أربع نساء يرتدينْ الفستان الأبيض الناصع بليلة عُرسهنّ، لكن ما يلبثن أن يتحولنّ إلى أربعٍ أخريات مُتّشحات بالسّواد.

الحلم بالنساء مُستساغ لديها إلى حدٍّ كبير. تستشعر تأويله بأريحيّة ويسرٍ، ولكن لماذا تحوّل اللون الأبيض فجأةً إلى اللون الأسود القاتم؟

أصبح اللون الأسود يُخيفُها في كلّ لحظةٍ. يُحاصر حياتَها كظلالٍ داميةٍ. صورة الأربع نساء المُتّشحات بالسّواد لا تفارقها في كل الأماكن؛ ظلال على الحائط، خلف المرآة، وفي الليل يظهرن كأشباحٍ مخيفة.

كَرهَت حياتها بل وعمق النّوم، ذلك العمق الذي سبّب لها هذا الحلم المُزعج . بدأت تُقاوم النوم؛ فكل ما تشعر بالنُّعاس وتُغلق عينيها دون إرادتها ولوثانية، تفتحها بسرعةٍ خشية العمق الذي يصلها إلى هذه الحالة. تسهر الليل وحيدة، ومع ذلك لا تفارقها صورة النسوة. بات وجهها شاحباً أصفر اللون كأوراق الخريف المُتساقطة. عيناها منتفختان جاحظتان و أحاطت بهما الهالات السوداء . وجسدها أصبح مُنهكاً إلى حد الإغماء في أوقات كثيرة.

اضطرت إلى الاستعانة ببعض مُهدّئات النوم، وأدوية مضادة للقلق بعد تشخيصها باضطراب الوسواس القهريّ. سارت الأمور طبيعيّةً إلى حدٍ كبير. ساعدتها الأدوية على وقف مسارات عقلها، التي لا تتوقف عن خلق الرؤى والأحلام ولو للحظة واحدة.

قررت التّوقف عن المهدئات لفترة بعدما شَعُرت بتّحسن وتوازن نفسيٍّ. ورغم السُّبات العميق الذي يحققه لها إلا أنها كَرهَت روتين الدّواء المُمل. تريد اختبار صحة عقلها، تلقائيّاً دون مساعدة تلك الأدوية.

تخلد إلى النوم كل ليلة؛ الحلم يعود مرة أخرى. إنّه العقل الباطن يسترجع الأفكار والمخاوف  المُختزنة كعادته معها، ويتلاعب بأعصابها بل يُقلبها على نار هادئةٍ.

لكن هذه المرة تحلم بالرّجال؛ طوال حياتها تكره الرجال حتى ولو بالأحلام. ليس هناك ما يُؤجّج خوفها ويجعله يشتعل في قلبها، كنار مُتوهجة مُتّقدة لا يستطيع الرّماد إخمادها أو إطفائها سوى  الحلم بالرجال.

الأربع نساء المُتشّحات بالسواد ،يتحولنْ في لحظة إلى أربعة رجالٍ يرتدون  الثياب الأبيض، وتفوح منهم رائحة المسك والعنبر.

أيّة لُعبةٍ حقيرة هذه؟

وماذا عساي أن أفعل؟

ماهذا التناقض بين الألوان والأجناس في آنٍ واحد؟

تستيقظْ، فتناول فطورها المعتاد، تلوك لقمة صغيرة في فمها، تتفحص الجريدة كعادتها اليوميّة. تـُقلّب  صفحة الحوادث.

حادثة مُروّعة على الطريق الصحراوي: انقلاب سيارة سوداء بداخلها أربعة رجال ولم تتمكن شرطة الإسعاف من إنقاذهم وقد لفظوا أنفاسهم الأخيرة.